-->

طفولة ممزقة



كانت البناية الواقعة في ضواحي بلفاست هادئة تختلف في كل شئ عن باقي البنايات ،
 كان المنزل أشبه بمنزل عائلي كبير ، تحف به الحدائق والزهور والورود من شتى النواحي.
دخلت وقلت للموظفة أنا توني ماغواير ، نظرت إلي باستغراب وقالت لقد
أخبرتنا أمك بأنك سوف تأتين إلى هنا
- لم تخبرنا أنه يوجد لها بنت ، هذا هو الذي في علمنا
قلت في نفسي : هذا ما توقعته وما كنت أتوقعه فعلا
قالت الممرضة : اتبعيني يا... نسيت اسمك
- توني ماغواير
- نعم اتبعني توني ماغواير من فضلك
رافقتها إلى داخل غرفة توجد فيها أمي مع بعض العجائز
كانت أمي واضعة صور والدي بالقرب منها ، لكنني لاحظت غياب صوري من بين الصور 
عندما لمحتني قالت :
-ابنتي توني تعالي عندي
لقد صارت امرأة ضعيفة وهزيلة ، يبدو أنها في مراحلها الأخيرة
مدت لي يدها وقالت : اقتربي يا ابنتي كم افتقدتك أنت ووالدك
- أمي كفى ، من فضلك لا تذكري لي ذلك الشخص
- إنه والدك مهما يكن
- لست ابنته ، ولم أشعر يوما أنه والدي
- إنني أموت يا ابنتي ، ما هذه القسوة التي ألمحها في عينيك ؟
همست :
- لقد جئت ، وهذا هو المهم يا أمي
دخل علينا الطبيب وسأل أمي هل هي مرتاحة معي وسعيدة بتواجدي معها
- نعم أنا جد سعيدة مع ابنتي الوحيدة
بعد خروجه من القاعة ذهبت عنده وسألته عن أحوال أمي فقال لي :
- إننا يا آنسة نبذل قصارى جهدنا لكي نبقيها على قيد الحياة
- هل يبدو لك أن أمك اقترفت ذنبا أو أشياء من هذا القبيل ؟
قلت بصرامة ودون تردد :
- لعلها فعلت ، تبقى إنسانة كباقي البشر ، ولكني لا أعتقد أنها اعترفت يوما بأنها اقترفت أي ذنب مهما كان
قال لي الطبيب : لماذا تتحدثين عن أمك هكذا مع العلم أنه لم يبق لها سوى شهور قليلة وتودعك ؟
ختمت حديثي مع الطبيب بأن قلت له : ( للأسف ودعتني منذ كنت طفلة ومحتاجة إليها غاية الإحتياج )
عندما عدت إلى غرفة أمي سألتني : ماذا كان يريد منك الطبيب ؟ هل قال لك شيئا ؟
- فقط سألني عن صحتك وأحوالك وأنا إن أتيت ، أتيت لأنك أردت أن أكون بجانبك ليس إلا
- أعتقد أنك ما جئت إلى هنا ليس رغبة في المجيئ ولكن لترين أني أموت ببطئ
- أمي ، كفى ، كفى ، أرجوك ، لا تعودي إلى مثل هذا الكلام
- لماذا لا تصارحيني بالحقيقة وترتاحين ؟
- أمي قلت لك كفى ،هيا استريحي ونامي قليلا ،ظروفك الصحية لا تسمح بمثل هذا الكلام
جلست على الأريكة وكأني أريد استرجاع قوتي التي أحسست أنها بدأت تخونني من أثر كلام
 أمي ، في تلك اللحظة استشعرت أن ذكرياتي التي كانت تؤرخ لحياة رعب وخوف أن لا تعاودني
من جديد وتعكر صفو يومي.  
يتبع ...